بلغة الأرقام والإحصائيات، ليس كل المغاربة مسلمين سُنيين مالكيّين.. في هذا البلد لا توجد فقط أقلية دينية واحدة تعتنق الديانة اليهودية، بل يوجد أيضا، مسيحيون

وُلدوا وتربّوا وترعرعوا في كنف أسر مسلمة، في مختلف ربوع هذا الوطن. على هذه الأرض يوجد مغاربة مُلحدون أو لادينيون، كما يعيش على ترابها مغاربة شيعة وبهائيّون.. هذا ما تؤكده مختلف التقارير الدولية والدراسات العلمية، التي أنجزت من طرف مراكز بحث وطنية ودولية، على ندرتها.

في هذا الملف، تنقلكم «المساء» إلى عوالم الأقليات الدينية والمذهبية والعقائدية في المغرب، تخترق تجمعاتها، وتنقل تصريحات مغاربة اعتنقوا دين عيسى، وآخرين يقولون إنهم تربّوا في كنف عائلات بهائية وورثوا عن أسرهم هذا الدين، كما تسأل مغاربة عن دوافع إلحادهم وسياقه.. كما تجدون في هذا الملف إحصائيات عن مختلف الأقليات الدينية في المغرب.

قضية الأقليات الدينية ليست بسيطة، لأنها تثير في كل مناسبة الجدل بشأن «حرية الاعتقاد» في المغرب، وهو النقاش الذي بلغ أوجَه قبيل الخطاب الملكي الداعي إلى الاستفتاء على الدستور يوم 17 يونيو، والذي تعود «المساء» في هذا الملف إلى تفاصيله.

وبهذا الشأن، صرّح أحمد عصيد، عضو جمعية «بيت الحكمة»، ل«المساء»، قائلا إنّ «الاعتراض على التنصيص على حرية المعتقد في الدستور كانت تقف وراءه لوبيات داخل المخزن، وليس حزبا العدالة والتنمية والاستقلال، اللذان تم تسخيرهما من أجل ضرب هذا الحق، خدمة لمصالح نفوذ ترى أن من شأن التنصيص على حرية المعتقد في الدستور تقليص الصلاحيات الدينية لأمير المؤمنين».

بوجوه مكشوفة، قبِل بعضُ هؤلاء «الخارجين عن دين الدولة الرسمي» الحديث إلى «المساء»، فها هو «الأخ رشيد»، الداعية المسيحي، يصرح للجريدة بأنّ «المسيحيين المغاربة لهم غيرة على الوطن، ندافع عن وحدته، وندافع عن ترابه وإنْ طلب منا الخدمة في الجيش فسننخرط فيها لا محالة.. وهناك مسيحيون في كل المناصب، بعضهم معروف وبعضهم يخفون ذلك خوفا من الاضطهاد والاستهداف».. في حين يعتقد قاسم الغزالي، الشاب المغربي الذي يعلن إلحاده، أن «الوقت قد حان لفتح نقاش حقيقيّ حول الحرية الدينية في المغرب، فليس من المعقول في القرن الواحد والعشرين أن نكون مُجبَرين على الإيمان بإله لا نؤمن به.. نحن لسنا ضد المسلمين أو الإسلام، الإسلاميون هم من يعتبرون كل من لا يؤمن بالإسلام عدوا لهم.. هذه ثقافة الإرهاب وليس الحوار».

أما الشيعي المغربي ياسر الحراق الحسني فيقول إنه «لا بد من نشر ثقافة المواطنة والتعايش في إطار الدولة المدنية. إذا تركنا كلاً يحكم بدينه فلن يتعايش سُنّيان، فبالأحرى عن سني وشيعيّ»، متسائلا: «إذا كان المرء يقبل باليهودي الذي يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله، كذاب، فكيف لا يقبل بالشيعيّ، الذي يقول إن الصحابي الفلانيّ كذاب؟»..

يطرح الإعلان عن «جريمة» تغيير الدين أسئلة مُحرجة بخصوص العقاب القانونيّ المترتب عليه والجدل الديني بشأنه، إضافة إلى النقاش المتعلق بدعوة المسلمين السُّنيّين في المغرب إلى اعتناق مذاهبَ وأديان أخرى. يقول أحمد الريسوني، أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة: «لا ينبغي أن نمنع التبشير المسيحيّ، ما دامت الدول المسيحية تسمح للمسلمين بممارسة التبشير الإسلاميّ.. والبقاء للأصلح عند تعادل الفرص»، معتبرا أن «الرِّدة إنْ كانت مُجرَّدة، فأمْرُ صاحبها إلى الله واليوم الآخر، وإنْ كانت مصحوبة بتآمر أو خيانة أو اعتداء، فأمر تقنينه وتقديره يدخل في باب السياسة الشرعية وباب التعازير، وهو من اختصاص الدولة وولاة الأمور فيها»..

وجهة نظر الريسوني يتقاسمها معه عبد العلي حامي الدين، القيادي في «العدالة والتنمية» ورئيس «منتدى الكرامة لحقوق الإنسان»، الذي يعتقد أن «حرية الاعتقاد ضمنها الإسلام لجميع البشر، وهو ما نستشفّه انطلاقا من الآية القرآنية «لا إكراه في الدين»، قبل أن يستدرك: «أما بخصوص تغيير الدين فيجب توضيح أمر مهمّ بالنسبة إلينا وهو أنه يجب مراقبة من يستهدف الأطفال من أجل تغيير معتقداتهم، وعلى العكس من ذلك، فمن يستهدفون الأشخاص الراشدين، الذين لديهم القدرة على التمييز، فالشريعة واضحة ومتسامحة في هذا الباب، وربما القانون أكثر تشدّدا في هذا الإطار».

الحريات الدينية.. الحرب القادمة

أقليات تدين بغير الإسلام السني غير معترف بها من طرف الدولة وتتعايش في صمت مع أغلبية سنية

مازال موضوع «الأقليات الدينية» في المغرب يثير الجدل بشأن «حرية الاعتقاد والضمير». وإذا كانت الدولة لا تعترف إلا بالإسلام السني الأشعري المالكي، دينا رسميا للمملكة، بالإضافة طبعا إلى الدين اليهودي، فإنها اليوم تواجه إشكالية الاعتراف بحق معتنقي الديانات والأفكار الأخرى في إشهار أفكارهم ومعتقداتهم وممارسة طقوسهم، ما دامت الدولة المغربية لا تنكر، من خلال الأبحاث والدراسات والإحصائيات، الصادرة عن معاهد رسمية، أو معترف لها بالكفاءة، وجود مغاربة شيعة ومسيحيين وبهائيين وبوذيين وهندوس ولا دينيين…

ليس كل المغاربة مسلمين سنيين مالكيين. في المغرب ليست هناك أقلية دينية واحدة تعتنق الديانة اليهودية. هناك، أيضا، مسيحيون ولدوا وتربّوا وترعروا في كنف أسر مسلمة، في مختلف ربوع هذا الوطن. على هذه الأرض، يوجد مغاربة ملحدون أو لادينيون، كما يعيش على ترابه مغاربة شيعة وبهائيون.. هذا ما تؤكده مختلف التقارير الدولية والدراسات العلمية، التي أنجزت من طرف مراكز بحث وطنية خلصت إلى حقيقة لا غبار عليها: هناك قلة من المغاربة غيّروا دين آبائهم وأجدادهم، واعتنقوا ديانات أخرى، أو ذهبوا أبعد من ذلك وأصبحوا مُلحدين..

يقود النقاش حول موضوع الأقليات الدينية والمذهبية إلى الحديث عن الإشكالية الدينية في المغرب،وهي إشكالية يصعب اليوم تشخصيها سوسيولوجيا، أمام ندرة البحوث العلمية التي تناولت المسألة الدينية في المغرب، باستثناء التقريرين الصادرين عن المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، حول الحالة الدينية في المملكة خلال 2007-2008 وخلال

2009-2010، إضافة إلى دراسة بعنوان «القيّم والممارسات الدينية في المغرب»، أشرف على إعدادها مجموعة من الباحثين في علم الاجتماع، بتمويل من المؤسسة الألمانية «فريديريك هيبريت»، صدرت سنة 2007. فبينما تُجمع هذين الدراستين على مركزية الدين في حياة المغاربة، فإنها لا تنفي وجود أقليات تدين بغير الإسلام السني، غير معترف بها من طرف الدولة، وتتعايش، في صمت، مع أغلبية سنية.

حرية العقيدة.. ساحة

الصراع الإيديولوجيّ

لم يسبق لعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب «العدالة والتنمية»، أن تحدّث بنبرة أقوى من تلك التي تحدث بها لمّا تسرب إلى علمه أن لجنة عبد اللطيف المنوني تقترب من التنصيص على حرية المعتقد في دستور المملكة الجديد. حينها فقط لوّح بنكيران بالتصويت ب»لا» على الدستور في حال دسترة هذا الحق.

«ماذا تعني حرية العقيدة؟ السماح بالإفطار علنا خلال شهر رمضان؟ إشاعة الحرية الجنسية والشذوذ الجنسي بين عامة الناس؟».. بهذه اللغة القوية نطق بنكيران حينها. موقف كان يجد سنده بالنسبة لبنكيران في تهديد هذا «الحق» لهوية المغاربة الإسلامية، بل إن الشخص الذي سوف يعيّنه الملك رئيسا للحكومة بعد انتخابات 25 نونبر 2011 قال إن التنصيص على حرية العقيدة في الدستور تعني «نهاية إمارة المؤمنين»!..

كانت تهديدات بنكيران وتحذيرات حزبه والجناح الدعويّ التابع له، «حركة التوحيد والإصلاح»، كافية لكي تتراجع اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور عن تضمينه الحقَّ في حرية العقيدة. وسُحبت جملة «الدولة تضمن حرية المعتقد بما لا يتعارض مع القانون والنظام العام» من الدستور، رغم دفاع بعض القوى الحقوقية، المعدودة على رؤوس الأصابع، من بينها جمعية «بيت الحكمة»، التي تترأسها البرلمانية خديجة الرويسي، و«الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، وسط صمت كل القوى المحسوبة على اليسار والمتبنية لخطاب «حداثيّ»، هو نقيض الخطاب الإسلامية ل»البيجيدي». قبل أن تخرج أصوات من داخل لجنة مراجعة الدستور بعد تخلصها من واجب التحفظ الذي كان يقتضيه العمل ضمن لجنة ملكية، في تصريحات صحافية «تدين» موقف «العدالة والتنمية» والقوى اليسارية، التي استكانت إلى الصمت على حد سواء..

تحدث محمد الطوزي، أحد أعضاء اللجنة التي كلفت بصياغة الدستور، في حوار مع مجلة «جون أفريك» عن بعض ملابسات التراجع عن إقرار حرية العقيدة، حيث انتقد ما أسماه «العمل المحبط»، الذي مارسه اليسارينو، عندما لم يضغطوا، حسب قوله، لإقرار مبدأ دولة الحق ومبدأ حرية العقيدة، كاشفا أن من بين من عارضوا هذا المبدأ، هي السلطة نفسها وحزبا الاستقلال والعدالة والتنمية ومستشارو الملك.

موقف «العدالة والتنمية» من دسترة «حرية العقيدة» لم يمنعه من التأكيد، في الأطروحة السياسية لمؤتمره الأخير، الذي انعقد والحزب في الحكومة، على «إقرار مبدأ الحرية العقدَية وحرية الإبداع وحماية الحريات الفردية والجماعية، يجب أن يكون انطلاقاً من قاعدة «لا إكراه في الدين»، التي هي قاعدة ذهبية قوامها أنه لا يجوز ولا يمكن اللجوء إلى أي شكل من أشكال الإكراه في الدين، عقيدة وشريعة وأخلاقاً، وأن هذه القضايا تُقدَّم بالأساس من خلال الإقناع والاقتناع، وأنها مجال للضمير والفكر والوجدان وليست مجالاً لسلطة الدولة أو إكراهات القانون».. يعني أن مؤتمر الإسلاميين أنفسِهم أقرّ بضرورة احترام حرية العقيدة، التي سبق للعدالة والتنمية أن عارض بقوة التنصيص عليها في الدستور.

عن هذا التناقض، قال عبد العلي حامي الدين، القيادي في حزب «البيجيدي»: «ليس هناك أي تناقض، لقد كان الأمر يتعلق بتصريحات ومواقف غير رسمية تم التعبير عنها لرفض الصيغة الملتبسة التي جاءت في مسودة الدستور الأولى حول موضوع حرية المعتقد، أما حزب العدالة والتنمية فموقفه واضح لا يحتاج إلى شرح، وهو صادر عن أعلى هياة تقريرية، وهي المؤتمر».

«لقد كانت وراء الاعتراض على التنصيص على حرية المعتقد في الدستور لوبياتٌ داخل المخزن، وليس حزبا «العدالة والتنمية» و«الاستقلال»، اللذان تم تسخيرهما من أجل ضرب هذا الحق، خدمة لمراكز نفوذ ترى أن من شأن التنصيص على حرية المعتقد في الدستور تقليص الصلاحيات الدينية لأمير المؤمنين»، يقول أحمد عصيد، عضو جمعية «بيت الحكمة»، مضيفا: «في الواقع كان من شأن هذا الإجراء أن يقوّي دور المؤسسة الملكية في الحفاظ على التوازنات، لكنّ حذف التنصيص على حرية المعتقد من الدستور يعتبر من الأدلة القاطعة على التحفظ على الديمقراطية داخل دواليب الدولة، لأن حرية المعتقد هي أساس دولة الحق والقانون».

التدين في المغرب

وصراع القيم

أكدت دراسة «القيم والممارسات الدينية في المغرب»، أن 73.7 في المائة من المغاربة يصلّون يوميا، كما أن 60.27 في المائة من الشباب ذوي الفئة العمرية (18-24) يعتبرون أنفسهم مسلمين، حتى وإن كانوا لا يمارسون الشعائر الدينية. كشفت الدراسة، أيضا، مركزية الدين في حياة الفرد المغربيّ، ف«60.52 في المائة يعيرون الدينَ اهتماما كبيرا».

يُثبت العلاقة القوية للمغاربة بالدين، أيضا، تصريح غالبية المُستجوَبين في هذه الدراسة بأنهم يتوفرون على القرآن في بيوتهم. ويظهر موقع الدين في حياة المغاربة جليا من خلال التشديد على أن الإسلام هو أهمّ مكون من مكونات الهوية المغربية، إذ إن 54.2 في المائة يعتبرون أنهم مسلمين في المقام الأول، ويضع 8.38 في المائة الهوية المغربية في المرتبة الثانية، ووضع 47 .8 في المائة من المستجوبين الهوية العربية ثالثة، في حين يعتبر 9.32 في المائة أن الهوية الأمازيغية تأتي في المرتبة الرابعة، أما الهوية الخامسة بالنسبة إلى المغاربة فهي الهوية الإفريقية. باختصار، يكشف التقرير المذكور «وجود توجّه مُتنامٍ نحو التديّن، خصوصا في صفوف الشباب والمجتمع عموما، مع استعداد للانفتاح على مختلف التعبيرات الدينية الحديثة، في ظل تراجع الصيغ التقليدية، كزيارة الأضرحة وغيرها». هنا، يعلق الباحث أحمد عصيد، في تصريح خص به «المساء»، قائلا: «من المؤكد أن مثل هذه الدراسات لا يمكن أن تعطيّ حقيقة وعي المغاربة وتوجهاتهم الدينية، لأن هناك ذهنية داخل المجتمع تسعى إلى تكريس ما هو سائد، بعيدا عن الوعي الحقيقيّ والمستقل، وهذا يؤدي إلى وجود تناقضات عند المغاربة بين سلوكاتهم وما يقولونه، تصل إلى درجة السكيزوفرينيا بين الأقوال والأفعال».

ولا يعني احتلال الدين صدارة المكونات الهوياتية للمغاربة أنهم متشدّدون دينيا أو غير متسامحين مع غير المسلمين أو حتى اللادينيين، بل إن بعضهم يتبنَّون توجّها علمانيا في تدينهم، إذ إن 14 في المائة، حسب الدراسة، يعتبرون أن الدين شأن فرديّ. أبرزت كما أبرزت الدراسة أنّ المغاربة متسامحون مع غير الصائمين.. وبهذا الخصوص، قال عصيد: «من المؤكد أن تديّن المغاربة هو تدين وسطيّ، علمانيّ ليس بالمعنى الغربيّ ولكنْ بالمعني المغربي، الذي تتسامح فيه الأغلبية مع توجهات الأقلية العقدية»..

يطرح الاعتراف بوجود أقليات دينية في المغرب عدة أسئلة بخصوص مغاربة قرّروا تغيير دينهم، كما يثير إشكاليات بخصوص الدعوة إلى اعتناق ديانات أخرى في بلاد تحكمها إمارة المؤمنين، التي تعتبر رمزا للوحدة الدينية والمذهبية للمملكة. بهذا الشأن، يعتقد عبد العلي حامي الدين، القيادي في «العدالة والتنمية» ورئيس «منتدى الكرامة لحقوق الإنسان»، أن «حرية الاعتقاد ضمِنها الإسلام لجميع البشر، وهو ما نستشفه انطلاقا من الآية القرآنية «لا إكراه في الدين»، قبل أن يستدرك: «أما بخصوص تغيير الدين فيجب توضيح أمر مهمّ بالنسبة إلينا هو أنه يجب مراقبة من يستهدفون الأطفال من أجل تغيير معتقداتهم، وعلى العكس من ذلك، فالشريعة واضحة في هذا الباب، ومتسامحة مع من يستهدفون الأشخاص الراشدين، الذين لديهم القدرة على التمييز، وربما يكون القانون أكثرَ تشدّدا في هذا الإطار من الشريعة».

المسيحية.. الديانة رقم 2 في المغرب

في إحدى مقاهي وسط مدينة الدار البيضاء، كان اللقاء غير بعيد من مكتبة متخصصة في بيع الكتب المسيحية.. لم يكن يظهر على وجوه هؤلاء المواطنين المغاربة أيّ خوف أو تحفظ في مقابلتنا، بل كانوا يتحدثون بأصوات مرتفعة غير عابئين بمن يسترقون السمع من حولهم. وكمن يباهي بتحقيق إنجاز استثنائين بادر مهدي ( 39 سنة) إلى التعريف بنفسه: «اعتنقت المسيحية سنة 1990، وقد ترعرعت وسط أسرة سوسية مسلمة وملتزمة بممارسة الشعائر.. كنت دائمَ التساؤل حول الإسلام، رغم أنني درست الشريعة لمدة في الجامعة مدة أربع سنوات. في هذه الفترة، بدأت أتابع بعض البرامج المسيحية، سواء عبر الراديو أو التلفزة، كما جمعتني لقاءات بجمعيات مسيحية».

قرر مهدي، بعد مدة وجيزة متابعة دراسته في اللاهوت المسيحي في جامعة بيروت، «فور وصولي إلى لبنان أعلنت تواجدي للسفارة المغربية هناك، مع التأكيد على طبيعة الدراسة التي أتابعها»، يشرح لنا مهدي. بعد عودته إلى المغرب، قادما من لبنان، حاول هذا الشاب، التأقلم مع وضعه الجديد، وأصبح يلتقي بعض المغاربة المسيحيين في المقهى، وأحيانا يخرج معهم حاملا الإنجيل أمام مرأى الجميع، مؤكدا أن عائلته انتهى بها المطاف إلى القبول بالأمر الواقع وتقبل اعتناقه الدين المسيحيّ.

أما حكاية أمين البالغ من العمر 26 سنة، فإنها تتشابه في البدايات، مع حكاية مهدي، إلا أنها تختلف في التفاصيل. قال ل «المساء»: «كان أبي يوقظني لصلاة الفجر وأنا في سنّ السادسة.. تعبتُ من الاستيقاظ باكرا وانتهى بي الأمر في نهاية المطاف إلى رفض كل شيء يتعلق بالدين بصفة عامة».. خلال دراسته في الثانوية، وجد أمين إنجيلا في مكتبة خاله، وأذهله فيه، كما يحكي، مقطع كان يتحدث عن الحب والمغفرة.: «بعدها، يتابع أمين قائلا، تلقيت دروسا إنجيلية عبر الأنترنت والمراسلة، وتعرّفت على مسيحيين مغاربة عبر موقع إلكتروني، لأكتشف أن عدد المسيحيين المغاربة أكبر ما كنت أتصور بكثير».

لا أحد يستطيع التكهن بعدد المسيحيين المغاربة لأسباب كثيرة، من بينها، كما يقول نجم قناة «الحياة المسيحية»، «الأخ رشيد»، كون «المسيحيين المغاربة عادة لا يعلنون إيمانهم إلا لأشخاص يثقون فيهم، وأحيانا كثيرة نكتشف عائلات مسيحية عن طريق الصدفة.. لكني أستطيع أن أجزم أنهم بالآلاف، لأنّ كمية الإيميلات والرسائل التي تصلني من المغرب تقول لي إن عدد المسيحيين المغاربة في تزايد يوما بعد يوم، وهم يتحدّرون من كل مناطق المغرب ومن كل المستويات العلمية، خصوصا وسط الشباب». يجد تصريح «الأخ رشيد» سنده في العديد من الدراسات التي أثارت الانتباه إلى انتشار المسيحية والحملات التبشيرية في المغرب، رغم موقف الكنيسة الكاثوليكية الرافض لتحول المغاربة من الدين الإسلامي إلى المسيحية.. في هذا الإطار يقول تقرير صادر سنة 2009 عن مركز الأبحاث والدراسات المعاصرة، الذي يترأسه مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الحالي، إن «الأنشطة التنصيرية خلال سنتي 2007 و2008 استهدفت المغاربة القاطنين داخل المغرب وكذا المغاربة المقيمين في الخارج… ويتم ذلك في إطار جمعيات تؤسّس من قبل هؤلاء المُبشّرين لتغطية أنشطتهم التبشيرية، وإما بالموازاة مع أنشطة أخرى يقوم بها المُنصّرون في المغرب، كالتدريس أو تصوير الأفلام أو الأنشطة الثقافية».. وقد أورد التقرير رقما مفاجئا يتعلق بعدد المغاربة الذين تلقوا دروسا في المسيحية عبر البريد من مركز واحد للتنصير خاص بالعالم العربيّ، والذي وصل إلى 150 ألف مواطن مغربي.. يشير التقرير، أيضا، إلى أن «60% ممن تحوّلوا إلى المسيحية فعلوا ذلك نتيجة اتصالات شخصية، و30% منهم من خلال التلفزيون والأنترنت، و10%عن طريق المُنصّرين».

في الإطار نفسِه، كان تقرير دوليّ صادر عن معهد «بيو» للدراسات الدينية في شهر دجنبر الماضي، قد أشار إلى أن عدد المسحيين الموجودين في المغرب قد وصل إلى 20 ألف مسيحيّ، لتصبح المسيحية الديانة الأكثرَ اعتناقا في المغرب بعد الإسلام السني، الدين الرسميّ للدولة، لكنْ مع التذكير بأنّ هذه الدراسة النادرة لا تضع فرقا بين معتنقي الديانات والمذاهب الخارجة عن دين الدولة ومذهبها الرسميّ الحاملين للجنسية المغربية وغيرهم من الأجانب المقيمين في المغرب.

ما هي مطالب المسيحيين المغاربة اليوم؟ يحمل الجوابَ عن هذا السؤال بشكل شامل تصريحُ «الأخ رشيد»، في الحوار الذي أجرته معه «المساء». أول هذه المطالب، يقول المتحدث نفسه، هي «الحق في تغيير الدين وممارسة الطقوس المسيحية»، مضيفا: «نطالب، أيضا، بحقنا في الحصول على الكتاب المقدّس باللغة العربية أو بالدارجة المغربية وعدم الاضطرار إلى تهريب الكتب التي نتعبّد بها سرا ونعاقب عليها، بل وتصير «تهمة» إذا وُجِدت في بيوتنا، والتنصيص على الحق في الزواج المسيحيّ أو الزواج المدنيّ، إضافة إلى حق المسيحيات المغربيات في الزواج بأجانب دون أن يضطر هؤلاء الأجانب إلى إشهار إسلامهم».. ولا يقف «الأخ رشيد» عند هذا الحد، بل يعتبر أنّ المسيحيين المغاربة يطالبون، أيضا، بتسمية أبنائهم أسماءَ مسيحية وبالحق في تعليمهم الدين المسيحيّ في مدارس خاصة وإعفائهم من التربية الإسلامية في المدارس الحكومية.

خريطة الأقليات العقائدية في المغرب

الشيعة

ليست هناك دراسات تشير إلى عددهم في المغرب، لكن أغلبيتهم يقطنون بمدن الشمال. ليسوا وحدة متجانسة إذ توجد ثلاثة تيارات شيعية مغربية، تتمركز أساسا في طنجة ومكناس.

المسيحيون

وصل عدد المسحيين المقيمين في المغرب إلى 20.000 مسيحي سنة 2012، يدخل ضمنهم الأجانب. 150 ألف مغربي تلقوا دروسا في المسيحية عبر البريد.

الديانات غير السماوية

يقل عدد البوذيين المقيمين في المغرب عن 10000 شخص أغلبيتهم الساحقة جدا من الأجانب

نفس الرقم ينطبق على معتنقي الديانة الهندوسية المقيمين بالمغرب.

البهائيون

يرجع تاريخ ظهورهم في المغرب إلى النصف الثاني من القرن العشرين. لا يتعدى عددهم اليوم حوالي 350 بهائيا مغربيا، يوجد أغلبهم في تطوان ومكناس والرباط والناظور.

اللادينيون والملاحدة

يصل عدد غير المنتسبين إلى أي ديانة بالمغرب، سواء سماوية أو غير سماوية، إلى حوالي عن 10 آلاف شخص، موزعين على مختلف مناطق المغرب.

اليهود

يصل عدد اليهود من مختلف الجنسيات المقيمين في المغرب سنة 2012 إلى 10000 شخص. اليهود المغاربة يتراوح عددهم اليوم ما بين 4000 و5000 يهودي، يقيم معظمهم بالبيضاء وفاس والصويرة وطنجة. الديانة اليهودية كما هو معلوم تعتبر الديانة الثانية المعترف بها في المغرب إلى جانب الإسلام.

القانون المغربي

لا يعاقب على تغيير الدين

ينص الفصل ال220 من القانون الجنائيّ المغربي على أنّ كل «من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثرَ على مباشرة عبادة ما أو على حضورها، أو لمنعه من ذلك، يعاقَب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة إلى خمسمائة درهم». وجاء في الفصل نفسه: «يعاقب بنفس العقوبة من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم، ويجوز في حالة الحكم بالمؤاخذة أن يُحكَم بإغلاق المؤسسة التي استُعملت لهذا الغرض، وذلك إما بصفة نهائية أو لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات».

بالنسبة إلى حاتم بكار، المحامي في هيأة القنيطرة، فإن القانون المغربي لا يتضمّن ما يفيد تطبيق أي عقوبة على كل مغربي غيَّر دينه من تلقاء نفسه، وإنّ القانون يعاقب فقط كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى. ويلاحظ المتحدث نفسه، في تصريح ل»المساء»، أن «هذا الفصل من القانون الجنائي «فئويّ»، مع العلم أن الأصل في القاعدة القانونية أنها تكون عامة وملزمة»، متسائلا: «لماذا لا نعاقب، مثلا، من يدعو يهوديا أو مسيحيا إلى اعتناق الدين الإسلاميّ؟».. مثيرا الانتباه إلى أن الفصل المذكور من القانون الجنائي يوحي في طياته بأنه يتحدث عن الأطفال بدرجة أولى ومحاولة استهدافهم لاعتناق دين آخر غير الإسلام. ويضيف حاتم بكار أنه «لا يجب أن نغفل أن المغرب صادَق على الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينص في المادتين ال18 وال19 على حرية المعتقد وحرية الرأي والتعبير.

البهائيون.. الأقلية الصامتة

الخامسة مساء من يوم الاثنين 4 فبراير الجاري، في منزل في أحد الأحياء بإحدى المدن المغربية، التقت «المساء» رجلين يؤمنان بأن الميرزا حسين علي النوري الملقب ببهاء الله، تلقى الوحي من الله عندما كان معتقلا في سجن «سياه جال» بإيران، ويشترطان على عدم الإشارة إلى مجرد المدينة التي التقيناهما فيها.

شاب أربعيني أنيق وعلى قدر كبير من الثقافة، سوف نشير إلى الحرف الأول من اسمه: «أ»، ورفيقه «ن» في السبعين من العمر، لم يتوقفا على تذكيرنا بأن البهائيين المغاربة لا يهمهم الظهور، ولا تعنيهم الصحافة». أضاف»أ» بأنه لم يقبل الحديث مع «المساء» إلا بعدما أصبحت بعض الجرائد تنشر معلومات مغلوطة عن البهائيين في المغرب، وأيضا «لكي لا يحمل المغاربة فكرة مشوهة عن إخوانهم البهائيين».

يقول «أ» «لقد خلقنا الله على هذه الأرض للبحث عن الحقيقة. في ديننا لا تعني ولادتنا من أبوين بهائيين أننا سنعتنق هذا الدين، والدليل على هذا أن ممارسة الشعائر الدينية لا تصبح واجبَة إلا بعد سن الخامسة عشرة». في هذا المنزل الآمن الذي تزيّنه صورة بهاء الله، مؤسس الديانة البهائية، ( الميرزا حسين علي النوري الملقب ببهاء الله) يضيف «أ»: «البهائية دين سماوي وليس فرقة أو طائفة دينية، وجد فيه آباؤنا وأمهاتنا ضالتهم وعثروا فيه على قيمة مضافة لاستقرارهم الرّوحي، كما هو الأمر نفسه لمّا وجد العرب في الإسلام خلاصَهم الروحيَّ حين نزل الوحي على النبي محمد». يؤمن البهائيون بما يصفونه «وحدة المنبع الإلهي لأغلب الديانات الكبرى الموجودة في العالم»، ويعترفون بمقامات مؤسسيها وبأنهم رسل من الله، ومنها الإسلام والزردشتية واليهودية والمسيحية.. ويعتقدون أن «جميع هذه الديانات جاءت لهداية البشر أينما كانوا عبر العصور، وأنها نشأت في مجتمعات كانت تدين بديانات سابقة وبنت الواحدة على الأساس الذي وضعته الأخرى». وهذا أحد أهم المعتقدات البهائية. ويعتقد البهائيون أنه كما نجد أن للمسيحية، على سبيل المثال، جذورا في الديانة اليهودية، فإن للبهائية جذورا في الديانة الإسلامية، لكنْ مع التشديد على أنه دين مستقل بذاته، وأن الوحي نزل على نبيهم، كما يقولون.

لا يتحدث البهائيون المغاربة عن معتقداتهم ولا تنظيمهم إلا نادرا، رغم ذلك فالمعطيات التي استقتها «المساء» تؤكد أنه في كل مدينة مغربية هناك عائلات تعتنق الدين البهائيّ، ينظم فيها معتنقو دين بهاء الله أنفسَهم في إطار طائفة، توكل إلى حوالي 9 أفراد تدبيرَ شؤون طائفتهم الدينية، يتم تجديدهم بشكل دوريّ، ويعملون على تسهيل عملية تعارف البهائيين في ما بينهم واستقبال البهائيين الوافدين من الخارج، بالاتصال مع الطائفات البهائية في العالم. كما ينظم البهائيون كل 19 يوما جلسات لقراءة الأدعية والأوراد الدينية، قبل أن يتداولوا في شأن تجمعهم الديني ويتناقشوا بشأن برامجهم العائلية وخرجاتهم وسفرياتهم مثلا، ويشدّدون على أن السلطات لا تضايقهم أبدا في ممارسة شعائرهم.

يقول أحد البهائيين الأجانب المقيمين في المغرب، التقته «المساء» خلال إعداد هذا الملف، إن علاقتهم بجميع أطياف المجتمع المغربي لا يشوبها أي مشكل، حتى ولو عرف الناس بأمر ديانتهم، وهو الموقف نفسه الذي يؤكده الشاب المغربي البهائي الذي تحدث إلى «المساء» بقوله: «المجتمع المغربي متسامح، والحكومة المغربية لا تضايق البهائيين، رغم معرفتها بهم، وهم أيضا لا ينكرون أمر اعتناقهم هذا الدين، على عكس الشيعة الذين يؤمنون بما يسمى عندهم «التقية»..

التسامح مع البهائية

«بخلاف المغرب فإنّه في مصر شنت حملة على البهائيين قبل حوالي ثلاث سنوات واضطروا إلى خوض معركة قضائية ضد الحكومة المصرية، وفي إيران لا يمكن أن تجهر بكونك بهائيا من الأصل».. يؤكد المتحدثان نفسهما أن أتباع ديانتهم لا يَدْعون المغاربة إلى اعتناق دينهم، «وفي حال أراد شخصٌ اعتناق البهائية كدين بعد بحث فمرحبا به ماذا عساي أقول له؟ ما دامت معتقداتنا تعتبر أن ممارسة شعائر الدين البهائي تتم بصفة فردية، وللإشارة فخلال فترة إقامتي في المغرب اتصل بي 5 أشخاص مغاربة أرادوا اعتناق الدين البهائي»، يخبرنا أحد الأساتذة الجامعيين الأجانب من معتنقي الدين البهائي، يقيم في المغرب منذ فترة.

يعترف محدثنا أنه في السابق كانت هناك مشاكل مع الدولة المغربية ومحاكمات للبهائيين، في إشارة إلى محاكمتهم في بداية الستينيات، لكنّ الشعب المغربي متسامح مع معتنقي الديانة البهائية، مهما كانت جنسيتهم، قبل أن يردف: «هذه الأرض مباركة من الله، هناك تعدّد عرقيّ ولغوي ودينيّ، مع الحفاظ على روح الوحدة الوطنية، إضافة إلى أن الله حباها بطبيعة خلابة في مختلف مناطقها».

ولم يمنع عدم الدعوة إلى اعتناق ديانة البهائيين محدثينا من تسليمنا بعض الوثائق عن أزمة البهائيين مع الدولة المصرية ومجلة ناطقة بالفرنسية باسم البهائيين، إضافة إلى كتاب صادر عن إحدى مؤتمرات البهائيين.

لا يخفي البهائيون أنهم يجدون بعض الصعوبات في ممارسة شعائرهم علانية، بسبب عدم الاعتراف القانونيّ بديانتهم في المغرب، إذ لا يتوفرون على أماكنَ لممارسة عباداتهم، بخلاف دول أخرى. لكنهم يتعاملون مع هذه الصعوبات التي تعترضهم، كما يقولون، «بكل أريحية»، هنا يحكي الشاب البهائي، في جواب على سؤال ل«المساء»: «قبل مدة توفيّ بهائي مغربي، وبطبيعة الحال، لا يمكن أن نمنع أسرته إن كانت مسلمة من قراءة الفاتحة والآيات القرآنية خلال جنازته، ولا نتدخل بهذا الشأن، طبعا كنا نتمنى أن يُدفَن في مقبرة للبهائيين، لكنّ هذا لم يمنعنا من قراءة الأدعية والمناجاة بعد وفاته خلال جلستنا، والترحم على روحه والدعاء له بالمغفرة، ما دمنا نؤمن بأنّ هناك حياة بعد الموت».

عدم الاعتراف القانوني بوجود بهائيين مغاربة يقطنون هذا الوطن منذ فجر الاستقلال يجعل من أمر حصر عددهم مسألة صعبة للغاية، خصوصا أن كل الدراسات التي تناولت الشأنَ الدينيّ والعقائدي لم تأت على ذكر البهائيين، لكن تقريرا صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية أكد أن عددهم يقارب 350 شخصا، يشغل أغلبهم مناصب عمومية ومنهم أطر وكفاءات مغربية.

يقول البهائيون إنه لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالحكم، ويحرم عليهم دينهم الانتماء إلى الأحزاب السياسية، وهذا ما يجعل تعامل السلطات معهم مرِناً ومتساهلا، حسب قولهم، بل يصرحون، أيضا، بأنّ من صميم ديانتهم الالتزام بطاعة الحكومات.. هنا لا بد من التذكير بأنّ هذا الموقف يجد جذوره في البدايات الأولى للبهائية، لمّا أطلقت السلطات الإيرانية سراح بهاء الله من سجن «سياه جال» والأمر بنفيه، مع عائلته، إلى العراق، حيث اقترح السفير الروسي على بهاء الله أن يذهب إلى روسيا ليعيش مكرّما فيها. لكن بهاء الله رفض تلك الدعوة وأعلن رغبته في إطاعة أوامر الحكومة الإيرانية..

يؤكد البهائيون، أيضا، أن الحكم ليس هدفهم ولا يرغبون سوى في العيش بأمان وأن يمارسوا معتقداتهم الدينية بالشكل الذي يرونه مناسبا داخل مجتمع متعدد. في هذا الصدد، يقول مصدر «المساء»: «نعتبر أن للسياسة طبيعة بشرية وليس دينية، وهدفنا هو المساهمة في تحوّل البشرية نحو الأفضل، والالتزام بالأخلاق السامية، مثلا في العمارة حيث أسكن أحرص على أن تكون علاقتي مع الجيران جيدة وأن أشجع الأطفال، مثلا، على التفوق في تعليمهم».

حرب الدولة على البهائيين

لم تمنع كل هذه المبررات التي يسوقها البهائيون القوات المسلحة الملكية، في سنة 2009، من طرد ضابط يعمل في صفوفها في مدينة مكناس بعد الاشتباه في اتّباعه البهائية، كما لم يمنع مصالح الأمن، في السنة نفسها، من التحقيق مع 15 شخصا يُشتبَه في انتمائهم إلى البهائية، ضمنهم طبيب في مدينة مكناس، حسب خبر كانت «المساء» سباقة إلى نشره.

هي إجراءات تضاف إلى أكبر حملة شنّتها الدولة المغربية ضد البهائيين سنة 1962، لمّا حوكم 13 شابا مغربيا في مدينة الناضور وشخص سوريّ الجنسية، كان يشغل منصب مدير تعاونية الصناعة التقليدية في مدينة فاس، بتهم إثارة القلاقل والمسّ بالنظام العامّ، وقضت المحكمة، حينها، على 3 منهم بالإعدام وحكمت على 5 بالمؤبد، مع الأشغال الشاقة، وعلى البقية ب15 سنة سجنا نافذا. وحسب مقال منشور في مجلة «دعوة الحق» سنة 1963، التي كانت تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، للشيخ تقي الدين الهلالي، بعنوان «حكم المرتدّ في الإسلام»، فإنه قبل تاريخ المحاكمة ببضع سنين، «جاء رجلان من بلاد فارس، التي تعرف حكومتها في هذا الزمان بإيران، فاستقرّ أحدهما في تطوان، واتخذ له مركزا يدعو فيه إلى البهائية ويحاول نشرها في شمال المغرب.. واستقر الآخر في مدينة مكناس، واستأجر قصرا جميلا تحيط به مزرعة، وأخذ يُغري الصبيان والسّفهاء من الشبان بالطعن في الإسلام والدخول في البهائية»..

ويضيف تقي الدين الهلالي: «في ناحية الشمال فإن تحمل الناس للإهانات التي صدرت من داعية الشمال والطغام والملتفين به كان أقل من احتمال أهل الجنوب، فرفعوا الشكاوي المتكررة إلى عامل تطوان، فدعا ذلك الإيرانيّ وزجره وهدّده، فذهب إلى ناحية الناضور، في قلب الريف المغربي.. فأخذ ذلك الداعية يبثّ سمومه في سفهائهم، فثار الناس وضجّوا ورفعوا أمرهم إلى الحكام، فطردوا ذلك الداعية وحاكموا من أصرّوا على اتّباعه من السّفهاء وحكموا عليهم بالإعدام»..

وبينما كان الزعيم الاستقلالي علال الفاسي، وزير الشؤون الإسلامية آنذاك، مساندا لمحاكمة هؤلاء البهائيين واتهمهم، في مقال نشر بجريدة «العلم»، بربط علاقات مع إسرائيل بهدف تقويض أسس الدولة المغربية، كتبت جريدة «المنار»، التي أسسها أحمد رضا كديرة، وزير الداخلية آنذاك، مقالا اعتبرت فيه أنه لا وجود لنصّ قانونيّ يُقرّ بعقوبة الإعدام بخصوص المس بالدين الإسلامي، كما أبرز أن البند السادس من الدستور المغربي كان آنذاك يقرّ بحرية الاعتقاد، وبعد يومين من صدور مقال جريدة «المنار»، كان رد الملك الراحل الحسن الثاني خلال حديث صحافي أجراه يوم 12 دجنبر 1962، حيث أقرّ بأنّ مضمون البند السادس من الدستور لا يسمح، بأي حال من الأحوال، بالتبشير بمذاهب وديانات مخالفة للإسلام، كما أنه لا يفيد بقبول البهائية، التي تعتبر «زندقة» في نظر الإسلام، لكنه تدخل في ما بعدُ لإيقاف محاكمة البهائيين الشهيرة، بعد زيارة قام بها للولايات المتحدة الأمريكية..

«نجوم» الأقليات الدينية في المغرب

صحيحٌ أن العديد ممن قرّروا تغيير مذهبهم الإسلامي السّني أو عقيدتهم الدينية لا يعلنون ذلك أمام الجميع، لأسباب اجتماعية وثقافية وسياسية، لكنّ هذا لم يمنع ظهور شخصيات قررت الإعلان عن مواقفها الدينية بوجوه مكشوفة وقبلت الحديث مع «المساء».

في هذا الجزء من الملف يكشف لنا مغاربة تربّوا في أسر مسلمة محافظة الأسباب التي دفعتهم إلى تغيير عقيدتهم، معبّرين في الآن نفسه عن اعتزازهم بالانتماء إلى الوطن.

قاسم الغزالي ل«المساء»: ليس من المعقول

أن نكون مجبرين على الإيمان بإله لا نؤمن به

يمكنك أن تقول إنني علمانيّ لأنني أنادي بالتفريق بين السياسية والدين، وإنني لادينيّ في الوقت نفسه لأنني أعتبر الأديان خرافات لا أقل ولا أكثر، كما يمكنك أن تقول إنني ملحد باللغة الإسلامية لأنّ الإلحاد لغةً لا علاقة له بما نصبو إليه، الإلحاد، أولا، كلمة قدْحية من القاموس الإسلاميّ، وإن لم يكن هنالك بديل لغويّ فلا اعتراض لي عليها، فلتقل إنني ملحد.. لقد تشكلت لديّ هذه القناعات في إطار صيرورة، عبر رحلة قادتني من دار القران إلى معاشرة للجماعات الإسلامية، مرورا بأسئلتي الشخصية والشك الذي رافقني منذ طفولتي.

لا يمكن أن ننكر أن الإلحاد كان يُطرح للنقاش العموميّ في الجامعات والكتابات بشكل كبير من طرف الأحزاب والجماعات المحسوبة على الماركسية في مرحلة ما من تاريخ المغرب. لكنّ هذا لا يعني أنه كان يرتبط فقط بهذه الجماعات. لقد كانت هنالك نخب مثقفة اطلعت، سواء عن طريق احتكاكها بالغرب أو عن طريق دراساتها التراث الإسلامي، على الأفكار اللادينية واعتنقتْها. أما بالنسبة إلى الناس العاديين فأنت تعرف صعوبة الإعلان عن مثل هذه المسألة.. هنالك لادينيون منذ مجيء الإسلام وملحدون إلى يومنا هذا لا يعلنون قناعاتهم خوفا من بطش السلطة الإسلامية، التي لا تقبل بالاختلاف. إنّ حديث الإسلام عن المنافقين هو خير دليل على وجودهم دائما.. أما اليوم فقد تغيرت الأمور بعض الشيء بسبب كونية حقوق الإنسان والظرفية الدولية. وأقول، جازما، إن الملحدين اليساريين لا يشكلون في المغرب اليوم سوى نسبة قليلة من الملحدين، ولا علاقة اليوم للإلحاد بالسياسية، لأنها قناعات شخصية حول مسألة حرية الاعتقاد. أنا، مثلا، ملحد، ولا علاقة تربطني باليسار..

لقد كان الإلحاد متجذرا في ثقافة شبه الجزيرة العربية قبل وبعد الإسلام.. ونسوق كمثال هنا «الدهريون». أما بعد مجيء الإسلام فكل المؤلفات التي وصلتنا تؤكد أنّ الإلحاد كان حاضرا دائما بقوة، ويمكنك أن تطالع فقط «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني لتعرف حجم الإلحاد الذي كان منتشرا.. ويكفي دليلا المحاكماتُ التي طالت كبار الشعراء والمفكرين والفلاسفة، والتي قادتهم إلى القتل أو السجن أو التضييق بسبب الإلحاد، وخير دليل المتنبي وبشار بن برد والرّازي والراوندي وابن المقفع وغيرهم.. لهذا، فإنّ من يقول إن الإلحاد «موضة» هو كمن يريد إخفاء الشمس بالغربال.. إن الامتداد الشنيع للتطرف الإسلامي والإرهاب في القرنين الأخيرين هو الذي جعل الإلحاد يختفي من السطح.. أما اليوم فلا سلطة للمتطرفين على القناعات الدينية، والأمر ذاته في المغرب.

أعتقد أنه حان الوقت لفتح نقاش حقيقيّ حول الحرية الدينية في المغرب، فليس من المعقول في القرن الواحد والعشرين أن نكون مُجبَرين على الإيمان بإله لا نؤمن به.. نحن لسنا ضد المسلمين أو الإسلام، الإسلاميون هم من يعتبرون كل من لا يؤمن بالإسلام عدوا لهم. هذه ثقافة الإرهاب وليس الحوار.. أنا متفائل بالمستقبل، ولي اليقين أننا سنصل إلى مغرب علمانيّ يحترم كل الأقليات وكل القناعات الدينية، هي مسألة وقت فقط، لذلك ندعو كل المسلمين إلى احترام الإنسان ليس على أساس دينيّ، بل على أساس إنسانيّ. كلنا إخوة في الإسلام وكلنا مغاربة، سواء كنا مسلمين أو ملحدين.

الأخ رشيد ل«المساء»: ندعو للملك محمد السادس في صلواتنا

أنا شاب مغربي من أب وأم مغربيين، الوالد فقيه وإمام مسجد وحافظ للقرآن ويتحدّر من صخور الرحامنة والأم دكالية.. تربيت وترعرعت في أسرة محافظة في بادية دكالة. أنا مغربي قحّ، وأعتز بمغربيتي. أكملت الإجازة في الخارج، في مقارنة الأديان، وأعدّ للحصول على ماجستير في الميدان نفسه. متزوج من مغربية مسيحية أيضا ولي ثلاثة أطفال. كانت بداية اعتناقي المسيحية في المرحلة الإعدادية عندما كنت أستمع إلى أحد البرامج الإذاعية الدولية. بعد هذا البرنامج، بدأتُ المراسلة بدافع الفضول وبدافع الدفاع عن الإسلام بالآيات القرآنية التي حفظتها في المسجد على يد والدي. استمرّت هذه المراسلة لمدة أربع سنوات كانت حافلة بالقراءة والمقارنة ومطالعة مختلف الكتب التي تتعلق بموضوع الإسلام والمسيحية وقرأت، أيضا، سيّر المشاهير من المسلمين الذين تركوا الإسلام واعتنقوا المسيحية.. اعتنقتُ المسيحية سرا، بيني وبين نفسي، بعد بحث طويل، وراسلتُ الأشخاص الذين كنت أراسلهم كي أخبرهم بالأمر، وهم عرّفوني على أجنبيّ مقيم في الدار البيضاء، كان له دور كبير في تعريفي على مجموعة من المسيحيين المغاربة.

المسيحيون المغاربة لهم غيرة على الوطن، ندافع عن وحدته وندافع عن ترابه، وإن طلب منا الخدمة في الجيش سنقوم بذلك، لا محالة.. وهناك مسيحيون في كل المناصب، بعضهم معروفون وبعضهم يُخفون ذلك خوفا من الاضطهاد والاستهداف. بإمكاننا أن نسعى في كل المحافل الدولية لنعكس صورة إيجابية عن بلدنا، إنْ كان هذا البلد يحافظ على كرامتنا ولا يُهينها، أما إذا كان البلد يحرمنا من أبسط حقوقنا فسنضطر إلى الهجرة وإلى البحث عن أماكنَ أكثرَ أمنا لنا..

مطالب المسيحيين بسيطة، فهم مجموعة مسالمة جدا وقد عشتُ بينهم لمدة خمسة 15 سنة وما زلتُ على علاقة وطيدة ببعضهم، لا يكنّون للوطن إلا الحب والخير، بل يَدْعون للملك في اجتماعاتهم السرية، التي تمنعهم منها السلطات.. ومن المضحك أننا، أحيانا كثيرة، دعونا بالخير حتى لضباط الشرطة الذين يستدعوننا أو يقتحمون بيوتنا..

لم تكن غايتي من ترجمة القرآن إلى الدارجة المغربية هي الاستفزاز حتى لو كان الأمر يبدو مستفزّا، فالغاية هي أن يعرف المغاربة ما في القرآن، خصوصا أنّ نسبة الأمية عالية جدا في المغرب، تصل إلى 40 في المائة أو أكثر، وقد ترجمنا الإنجيل، أيضا، إلى الدارجة المغربية للهدف نفسه، وإذا اعتبر بعض المغاربة أن ترجمتي «استفزازية» فلماذا لا يترجمونه هُم ويستغنون عن ترجمتي أنا؟.. إنّ هدفي هو الترجمة، فهل تستطيع وزارة الأوقاف أداءَ هذه المهمة؟ أشك في ذلك.. إذا شعر المغاربة بالاستفزاز فأنا أعتذر لهم، لأنّ ذلك ليس هو هدفي، فأنا شخص أكاديميّ، أنجز أبحاثي بطريقة أكاديمية وأنتقد الإسلام بطريقة أكاديمية وأبسّطها للمُشاهد، ومن حقي انتقاد الإسلام، مثلما من حق المسلم انتقاد المسيحية.. فهل يحقّ لي أن أقول للمسلمين لا تقرؤوا قول القرآن: «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» بحجة أن هذه الآية مستفزة لي كمسيحيّ؟ كم مرة كنت أمشي وسط الدار البيضاء بين الأكشاك وأجد كتب أحمد ديدات تباع علنا وهي تنتقد عقائدي وعقائد الملايين من المسيحيين، ألا يعتبر ذلك استفزازا؟ فهل سيوقف المسؤولون هذه الكتب بحجّة أنها مستفزة لمشاعر المسيحيين؟

ياسر الحراق الحسني: التعبيرات الشيعية

في المغرب تحاول الانطلاق من رحم الشرعية

تشيُّعي، بمعنى الولاء لأهل البيت، عليهم السلام، هو أمر ورثناه. وأما تشيّعي، بمعنى الإلمام ببعض علوم المذهب ورجالاته وأعلامه، فهو أمر تعلمناه بعدما صارت المعلومة تسافر بين القارات في لحظات بالضغط على مفاتيح الحاسوب أو على جهاز التحكم عن بعد للتلفاز. في التشيع المغربي، ومن خلال ملاحظتي أنشطة الشيعة المغاربة على الأنترنت وكتاباتهم والاحتكاك ببعض أبناء الجالية في أوربا وأمريكا يمكنني القول إنّ هناك ثلاثة تيارات شيعية مغربية: تيار التشيع الحماسي (نموذج مقلدي السيد الخامنئي والسيد فضل الله) وأسمّيه «حماسي» لعدم اقتصاره على العقائد والعبادات، بل يهتم أيضاً بقضايا الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب ويختلط فيه، أحياناً، الدينيُّ بالسياسيّ، بحكم تصدي المرجعيات فيه لمواقع فعالة في قضايا إسلامية حماسية، مثل المقاومة في لبنان ومواجهة الغرب.. أما التيار الثاني فهو التيار المدنيّ المحافظ (نموذج مقلدي السيد الشيرازي) وهو محافظ لتقديمه مسائل العقائد والعبادات على باقي المسائل، أولاً، وثانياً، لتبنيه مشروعَ المواطنة والتعايش عوض الوحدة والتقريب، ويلاحظ اصطدام هذا التيار بالأول فكرياً بسبب رفضه ولاية الفقيه المطلقة، وإنْ كانت في إيران، وانتقاداته لإيران وحزب الله ونبذه المطلق للعنف.. أما التيار الثالث فهو العرفانيّ أو الصوفي الشيعي، وهو قسمان: القسم الأول يختلط مع صوفية الوفاق المذكورة إلى حد الاتحاد أحياناً، فلا تكاد تعرف الصوفيَّ من الشيعي إذا جالستَه، وهؤلاء لهم أوراد صوفية مغربية ينضاف إليها تبجيل الأئمة الاثني عشر، عليهم السلام، والاعتراف بهم.. والقسم الثاني هم الشيعة العرفانيون، وهم صوفية الشيعة، الذين يُمجّدون الحلاج وابن عربي ويقلدون السيد الخامنئي، الذي خلف السيد الخميني، المعروف بانبهاره بالحلاج وابن عربي.. وعلى عكس التيارات السنية، التي تجد فيها التيار الجهاديّ والتيار المعارض -المناهض- للمنظومة السياسية في المغرب، فإنّ غياب عنصر مناهضة أو معارضة المؤسسات في المغرب هو ما يوحّد التشيع في المغرب. وكما لا يخفى فإن كل التعبيرات الشيعية في المغرب تحاول الانطلاق من رحم الشرعية المغربية، والمغرب خطى خطوات جبارة في مجال الحقوق والحريات، مع استثناء طبعاً «فلتة» الحملة على الشيعة في 2009، التي طُويّت صفحتها..

لا بد من نشر ثقافة المواطنة والتعايش في إطار الدولة المدنية. إذا تركنا كلاً يحكم بدينه فلن يتعايش سنيان، ناهيك عن سني وشيعيّ. إذا كان المرء يقبل باليهودي، الذي يقول إنّ رسول الله، صلى الله عليه وآله، كذاب، فكيف لا يقبل بالشيعيّ، الذي يقول إن الصحابيّ الفلاني كذاب؟! يجب أن ننشر ثقافة التعايش حقيقةً وإلا فكفوا عن ذبح الأبقار التي يعبدها البعض في الهند.. أليس هذا تعديّا على معبود الإنسان الآخر؟ أما مسألة الصحابة فيمكن تجاوزها بالضغط على التيارات الإقصائية. أما بخصوص سؤالك حول ما وصفته بخلط الشيعة المغاربة بين الحب المتأصل في المغاربة لآل البيت وبين التشيع كعقيدة أو مذهب، فإنني أرى أن «الحب المتأصل لأهل البيت إذا أضفتَ إليه القناعة بمظلوميتهم وتبرّأتَ ممن ظلمهم صرتَ شيعياً مائة في المائة»..

الريسوني: لا ينبغي أن نمنع التبشير المسيحي

العالم المقاصدي يؤكد أن الرّدة إن كانت مجرّدة فأمْرُ صاحبها إلى الله واليوم الآخر

– المعطي الثابت اليوم في المغرب، بالاستناد إلى مجموعة من التقارير العلمية والدولية، هو أنّ الأغلبية الساحقة من المجتمع المغربي هي أغلبية مسلمة سنية، لكنّ هذا لا ينفي وجود مجموعة من الأقليات الدينية والمذهبية تحمل الجنسية المغربية أيضا (بهائيين، شيعة، مسيحيين، لادينيين).. في نظرك ما هو التعامل الأصلح مع هذا الوضع للحفاظ على لحمة الوحدة الوطنية؟

تحكم العلاقاتِ الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم، أولا، مبادئُ عامة، كالعدل والبر والإحسان وحقوق القرابة والجوار.. ولا إكراه في الدين، ولكم دينكم ولي ديني… كما تحكمها قواعد المواطنة والتعايش، التي على الجميع احترامها وعدم الإخلال بها، ومنها الولاء للوطن والمجتمع وليس لجهات خارجية، دينية أو سياسية، ومنها تحاشي التصرفات الاستفزازية لدين المجتمع وأخلاقه ووجوب الخروج من السرية والخداع (النفاق)…

– هل أقرّ الدين الإسلامي مجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية، لهؤلاء المغاربة الذين غيّروا دينهم أو مذهبهم؟

الأصل هو أنّ لهم من الحقوق ما لغيرهم وعليهم من الواجبات ما على غيرهم، على نحو ما جاء في وثيقة المدينة، التي اعتمدها النبي، صلى الله عليه وسلم، بين المسلمين وغيرهم من سكان المدينة المنورة وضواحيها.. وهناك مستجَدّات ومتغيرات وأحوال متروكة لتقدير ولاة الأمور (أي الدولة) وهو ما عليه الأمر في المغرب.

– كيف تنظر إلى مواقف الفاعلين الحقوقيين الذين يطالبون بإقرار حرية المعتقد في المغرب، وبالتالي يكون للمغربي الحق قانونيا في تغيير ديني، ما دامت الدولة لا تعترف بدين آخر غير الإسلام أو اليهودية؟

الذي أعرفه هو أنّ الحرية الدينية وحرية الاعتقاد قائمة ومتحققة في المغرب، والدليل عللى ذلك هو ما ورد في سؤالك الأول عن وجود مغاربة مسيحيين وآخرين بهائيين وآخرين لادينيين.. وكل هؤلاء وغيرهم موجودون ومستقرّون من عشرات السنين، فهل حرية المعتقد شيء آخر غير هذا؟..

– يعود ملف ما يوصف ب»التبشير المسيحيّ» إلى الواجهة من حين إلى آخر، ومن بين الانتقادات التي توجه للمسلمين أنه يسمحون لأنفسهم بالدعوة إلى دينهم في دول أخرى ويعتنق مواطنوها الدين الإسلامي ويرفضون، في المقابل، أن يدعوّ منتسبون إلى ديانات أخرى في بلدانهم، خصوصا المسيحية، إلى اعتناق دينهم، كيف تنظر إلى هذا الوضع؟

سبق لي، في مناسبات سابقة، أن عبّرت عن رأيي في هذه المسألة، وهو أننا لا ينبغي أن نمنع التبشير المسيحيّ، ما دامت الدول المسيحية تسمح للمسلمين بممارسة التبشير الإسلامي، والبقاء للأصلح عند تعادل الفرص..

– سبق لك أن عبّرت عن موقف متفرد بخصوص تطبيق حد الردة، إذ اعتبرت أنّ «موجبات قتل المرتد هي ما يقترن بالرِّدة، من خروج عن الجماعة وحمل للسيف عليها»، وبالتالي، فمن اعتنق دينا آخر غيرَ الإسلام لا يجوز في حقه حد الردة، الذي هو القتل؟

نعم، قلت هذا وشرحته في عدد من كتاباتي، ومنها كتاب «الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية». وخلاصته أن الرِّدة إن كانت مجرّدة، فأمْر صاحبها إلى الله واليوم الآخر.. وإنْ كانت مصحوبة بتآمر أو خيانة أو اعتداء فتقنينُ أمرها وتقديرُه يدخلان في باب السياسة الشرعية وباب التعازير، وهو من اختصاص الدولة وولاة الأمور فيها.

نشر باتفاق مع الكاتب سامي المودني